11‏/08‏/2015

الخيل والفروسية عند العرب

قال الجاحظ: >لم تكن أمة قط، أشد عجباً بالخيل، ولا أعلم بها، من العرب<، وقد لعبت الخيل دوراً بارزاً في حياة العرب، وتركت أبلغ الأثر في لغتهم وأدبهم وطباعهم، فمن حيث اللغة أضافت إليها كثيراً من الألفاظ التي تتعلق بأعضائها وصفاتها وحركاتها·
 وفي مجال الأدب ألهبت أخيلة الشعراء، فتغنوا بشجاعتها ورشاقتها وخيلائها، وأما طباع العرب فقد روضتها الفروسية، فأحسنت رياضتها، وبثت فيها النخوة والحمية·
 وترجع عناية العرب بالخيل إلى فجر العروبة، أي منذ اتخذوها عوناً لهم على أعدائهم، فشاركتهم الأمجاد والانتصارات، ومن أجل ذلك أوصى >أكثم بن صيفي< قومه بالخيل فقال: عليكم بالخيل فأكرموها فإنها حصون العرب، كذلك قال فيها الشاعر يزيد العبدي:
 مفداة مكرمة علينا
 تُجاع لها العيال ولا تُجاع
 ولذلك ليس هذا عجيباً أن حفظ العرب أنسابها، بقدر ما حفظوا أنسابهم، وصانوها من الهجنة ما استطاعوا، ولم يدخروا وسعاً في سبيل إعزازها·

 انتشار الخيل بين العرب
 للخيول قصة عريقة وشيقة يقال إنها كانت وحشية غير مستأنسة، ثم كان أول من اعتنى بها >إسماعيل بن إبراهيم< عليه السلام، سخرها الله له فكان أول من ركبها·
 وكان نبي الله >داود< محباً للخيل شغوفاً بها، فجمع منها ألف فرس ورثها عنه سليمان، فقال فيها: >ما ورثني داود مالاً أحب إليَّ من هذه الخيل<، وقيل إن >سليمان بن داود< جلس يستعرض خيوله يوماً حتى شغلته عن صلاة العصر، ولم يبق منها سوى مئة فرس، فأدرك فوات الصلاة، فغضب وقام لصلاته ثم عاد لاستعراض المئة الباقية قائلاً: >هذه المئة أحب إليَّ من التسعمئة التي فتنتني عن ذكر ربي<·
 وروى ابن الكلبي أن أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل أن قوماً من >الأزد< من أهل >عُمان< قدموا على >سليمان< بعد تزوجه >بلقيس< ملكة سبأ، فسألوه: عما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم حتى قضوا في ذلك ما أرادوا، وهمُّوا بالانصراف، فقالوا: يا نبي الله: إن بلدنا شاسع، وقد أنفقنا من الزاد، مر لنا بزاد يبلغنا بلادنا، فدفع إليهم >سليمان< فرساً من خيله من خيل >داود< قال: هذا زادكم، فإذا نزلت فاحملوا عليه رجلاً وأعطوه مطرداً >المطرد: رمح قصير يطعن به حمار الوحش< وأوروا ناركم، فإنكم لن تجمعوا حطبكم وتوروا ناركم حتى يأتيكم بالصيد، فجعل القوم لا ينزلون منزلاً إلا حملوا على فرسهم رجلاً بيده مطرد واحتطبوا وأوروا نارهم، فلا يلبث أن يأتيهم بصيد من الظباء والحمر فيكون معهم ما يكفيهم ويشبعهم، ويفضل إلى المنزل الآخر، فقال الأزديون: ما لفرسنا هذا اسم إلا >زاد الراكب<·· فكان أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل، فلما سمعت >بنوتغلب< أتوهم فاستطرقوهم، فنتج لهم من زاد الراكب ـ الهجيس، فكان أجود من زاد الراكب·
 ثم توالت الأنساب والأحساب بين خيول العرب من سلاسلة >زاد الراكب< فكان منها >الديناري<، و>أعوج وسبل<، و>ذو العقال<، و>جلوى<، و>الخرز< إلى أن كانت مئة وسبعة وخمسين فرساً معروفة في الجاهلية والإسلام، وهذه الأسماء يعرفها من هو ذو خبرة ودراية بتاريخ الخيول العربية ولا يتسع الحديث هنا عن ذكرها بالتفصيل·

 الخيل والفروسية في الجاهلية
 لم يكن العرب في الجاهلية يهتمون بشيء من الحيوانات قدر اهتمامهم بالخيول··· وكانوا يرون أنه لا عز إلا بها ولا قهر للأعداء إلا بسببها، فكانت تنال تكريمهم إلى درجة تفصيلها على أولادهم وأنفسهم إذ قال عمر بن مالك:
 وسابح كعقاب الدجن أجمله
 دون العيال له الإيثار واللطف
 وكان بعضهم يعير بعضهم الآخر على عدم اهتمامه بخيوله فقال >عنترة< يهجو قوماً أهملوا خيولهم:
 ابني ذبيبة ما لمهركم
 متهوساً وبطونكم عجر
 ويروى أنه من شدة محبة العرب للخيل··· كان أشرافهم يخدمونها بأنفسهم ولا يتكلمون في القيام بخدمتها على غيرهم·
 وقال بعض الحكماء: ثلاثة لا يأنف الشريف من خدمتهم: الوالد·· والضيف·· والفرس·· وتؤكد كتب الرياضة البدنية، أنه كان للفروسية والفرسان عند العرب في الجاهلية المقام الأكبر والمكانة الأولى بين العشائر والقبائل، وكان الدفاع عن الضعيف والانتصار للمرأة والشهامة وغيرها من الصفات التي يفخر بها فرسانهم، وكانوا يسجلون بطولاتهم بأشعارهم، فتنتشر بين القبائل ويتغنى بها في الأسواق مثل عكاظ، وفي البادية والأمصار، وكان الناشئ من أبنائهم لا يكاد يصل إلى الثامنة من عمره حتى يحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل ويتدرب على فن الفروسية، والعرب كانوا منذ جاهليتهم فرساناً كماة تجري الفروسية في عروقهم، كما تجري الدماء في الجسم، وقد خلَّد التاريخ سِيَر عشرات من الفرسان، الذين تمثَّلت فيهم صفات العروبة الحقة الجياشة بالفتوة والبسالة، المثيرة للفخر والإعجاب، ومن أشهر أولئك الفرسان البواسل:
 ـ عامر بن مالك >زيد الخيل الذي قَدِم على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع وفد طيء سنة تسع للهجرة، فأسلم، فسمَّاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، زيد الخير<· ـ عامر بن الطفيل >أشهر فرسان العرب بأساً<·
 ـ عمرو بن معدي كرب >الفارس صاحب الغارات في الجاهلية، أدرك الإسلام فأسلم، وأبلى في معاركه المجيدة أحسن البلاء<·
 ـ دريد بن الصمة >من فوارس العرب الشهيرين الذين لا يشق لهم غبار<·
 ـ أمية بن حرثان الكناني >ينتهي نسبه إلى مضر، وكان فارساً من سادات قومه<·
 ـ عمرو بن كلثوم >وهو أحد فتاكي العرب<·
 ـ الشنفرى الحارثي القحطاني >وكان من الفرسان المعدودين<·
 ـ الحارث بن عباد الربعي >كان من حكام ربيعة وفرسانها المعروفين<·
 ـ سعد بن مالك >أحد سادات بكر وفرسانها في الجاهلية<·
 ـ مهلهل بن ربيعة التغلبي >أحد فرسان العرب المعدودين وكماتها الشهيرين<·
 ـ عنترة العبسي بن شداد >أحد فرسان العرب الشهيرين<·
 ـ ربيعة بن مكرم >كان من الفرسان المعدودين والشهيرين في زمانه<·

 الخيل والفروسية في الإسلام
 وجاء الإسلام الذي رفرفت أعلامه الأولى فوق صهوات الخيل المخضبة بدماء الشهداء، فمجَّد الفروسية، وأوصى بارتباط الخيل وإكرامها·
 وورد ذكر الخيل في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم كلها ترفع من قدرها على غيرها من الحيوانات الأخرى، كما أقسم بها الله خالق هذا الكون·· وما فيه من مخلوقات في قوله تعالى: (والعاديات ضبحاً)·
 ويأتي ذكر الخيل في أحاديث سيد الخلق محمد، صلى الله عليه وسلم، مدحاً وتكريماً، فقد جاء في الحديث الشريف قوله، صلى الله عليه وسلم: >من ارتبط فرساً في سبيل الله كان له مثل أجر الصائم، والباسط يده بالصدقة مادام ينفق على فرسه<
 كما جاء في حديث آخر: >الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة<·
 وقد نهى الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن إيذاء الخيل، وعن خصائها، وجز أذنابها، وأعرافها، ونواصيها، وكل ما من شأنه إذلالها لأن من طباع الخيل: الخيلاء، والزهو بالنفس ومحبة صاحبها والخيل مثل البشر من طبعها المرح، والزعل، والاكتئاب·
 ويروى أنه كان للرسول، صلى الله عليه وسلم، ثماني عشرة فرساً أشهرها >لزاز ـ لحاف ـ المرتجز >وقد سُمِّي كذلك لحسن صهيله< ـ السكب ـ اليعسوب<، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشهر فرسان الصحابة ومن أقواله المأثورة: لن تخور قوى مادام صاحبها ينزع وينزو، يقصد بذلك مادام صاحبها ينزع في القوس، وينزو على الخيل >أي يثبت عليها عند الركوب في غير استعانة بالركاب<·
 وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمارس هاتين الرياضتين، ويُقال إنه كان يمسك أذني فرسه، ثم يقفز عليه وهو يعدو فيحكم قياده، فكأنه وُلِدَ على ظهر فرس·
 ومن أعلام الفرسان، الذين ظهروا فيما بعد، وكانت تروى حول بطولاتهم قصص كالأساطير، >معن بن زائدة<، و>أبودلف العجلي<، و>عمر بن منيف<، الذي قيل إنه خرج ذات يوم للصيد، فتتبع حماراً وحشياً ومازال يركض بفرسه حتى حاذاه، ثم جمع رجليه ووثب على ظهره، وأخذ يجز عنقه بسكينه، وهو يقاوم بعنف، حتى ذبحه·
 ومن أشهر فرسان الخوارج >قطري بن الفجاءة<، و>شبيب الخارجي< الذي نذرت امرأته ذات يوم أن تصلي في جامع الكوفة، وهي معقل خصومه، ركعتين تقرأ في أولاهما سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران، فعبر بها نهر الفرات، وأدخلها الجامع، ووقف على باب الجامع يحميها حتى أوفت بنذرها، وكان الحجاج في المدينة، على رأس خمسين ألفاً من الجند·

عناية الخلفاء بالخيل وإكرامهم الفرسان
 وقد وضع الخلفاء وصية الرسول، صلى الله عليه وسلم، نصب أعينهم، فعنوا بارتباط الخيل، وضاعفوا من رواتب الفرسان، حتى يوسعوا الإنفاق على خيلهم، وكانوا يحاسبونهم عن إهمالهم إياها حساباً عسيراً·
 ويروى أن >عمر بن الليث< الذي تولى أمر الجند في عهد الخليفة >المعتمد<، استعرض الفرسان وخيلهم ذات يوم، عند منحهم العطاء، فشاهد فارساً كان فرسه في غاية الهزال، فقال له معنفاً: يا هذا، تأخذ مالنا لتنفقه على امرأتك فتسمنها، وتهزل دابتك التي تحارب عليها؟·· امض فليس لك عندي شيء·
 فقال الفارس: جعلت لك الفداء··· والله لو شهدت امرأتي لاستسمنت دابتي·
 فضحك عمر وأمر بإعطائه، ثم قال له: استبدل بدابتك·
 وكان الخلفاء يقربون البارزين من فرسانهم، ويبالغون في إكرامهم، ومن أشهر فرسان العصر العباسي، الذين حظوا بمكانة رفيعة في بلاط الخلافة، >أبوالوليد بن فتحون< الذي برز في عهد >المستعين<، وكانت تضرب بشجاعته الأمثال، فقربه الخليفة وعظَّمه، وأغدق عليه الأموال، وذاع صيته بين الروم الذين كانوا يخشونه، حتى قيل على سبيل المبالغة، إن الفارس منهم كان يقول لفرسه إذا أحجم عن شرب الماء: ويحك هل رأيت >ابن فتحون< في الماء· ومن أخبار ذلك الفارس، أنه اشترك يوماً في قتال الروم، وبلغ من شجاعته وثقته بنفسه وسخريته من أعدائه، أنه استوى على سرج فرسه، وانطلق إلى المعركة يتهادى من غير سلاح، ولم يكن معه غير سوط طويل، معقود الطرف، فأغرى به ذلك فارساً من فحول فرسانهم، فبرز إليه، وإذا بأبي الوليد يرفع يده بالسوط، ثم يهوي على عنقه، فيلتف عليه، ثم إذا به يجذبه بشدة، فيقتلعه من فوق سرجه، ثم يجره على الأرض، حتى يلقيه بين يدي أمير المؤمنين·

من صفات الخيل العتاق
 الحصان العربي من أحسن أنواع الخيول على الإطلاق وأقدرها، وموطنه شبه الجزيرة العربية ويمتاز بصفاته الوراثية الأصيلة التي لم تتغير على مرور أجياله، فلقد ثبت أنه الأقدر على السرعة وقوة التحمل والعزيمة والصبر، حيث أكسبته الصحراء هذه الصفات دون الخيول الأخرى·
 ويشتهر الحصان العربي أيضاً برقته ووفائه وحسن خلقه، ويمتاز بصغر رأسه وجبهته العريضة، وأذنيه الصغيرتين الرقيقتين، وبعينيه الكحيلتين الواسعتين، وأنفه البارز المقعر من أسفل جبهته، وباتساع منخريه وفمه الوسيم، وبشفتيه الرقيقتين وفكه العريض، وهو واسع الصدر ضيق الخاصرة، رشيق الأضلاع، مفتول العضلات، ساعداه قويتان طويلتان، وركبتاه عريضتان، وعرقوباه قويتان، حوافره سوداء، قوية صلبة متوسطة الميل على الأرض، عنقه مقوس قليلاً بالتحديب إلى أعلى، ظهره قصير مستقيم عريض وينتهي بكفل عريض مستقيم وذيله ينتهي بخصلة من الشعر الطويل الجميل·
 وقد نبغ كثير من العرب في التمييز بين العتاق والهجن من الخيل، ومما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه عرض بعض الخيل على >سليمان بن ربيعة الباهلي< لتمييزها، فأحضر طستاً به ماء، ووضعه على الأرض، ثم قدمت الخيل تشرب فرساً فرساً، فما ثنى منها سنبكة هجنه، وما لم يثنه عربه· وعلل ذلك بأن في أعناق الهجن من الخيل قصراً لا تنال معه الماء إلا على تلك الحال، بينما أعناق الخيل العتاق طوال·
 ومن أشهر الخيل العتاق فرس لـ>هشام بن عبدالملك< كان يُسمَّى >الذائد<، قيل إن سائسه كان لا يستطيع الدخول عليه، ما لم يأذن له، وذلك بأن يحرك له مخلاة الشعير وهو بالخارج، فإن حمحم الفرس دخل عليه، وإن هو لم يفعل اندفع نحوه وطرده·

 رياضة الفروسية
 كما لعبت الفروسية دوراً رائعاً في ميادين القتال عند العرب، فقد كانت من أرقى ضروب الرياضة، وأظفرها بتشجيع الخلفاء في زمن السلم، وكان سباق الخيل من أعرق ضروب الرياضة، التي لقيت كل عناية وتشجيع من الخلفاء، وبخاصة من >معاوية بن أبي سفيان< و>هشام بن عبدالملك<، وقد بلغ من شغف >هشام< بالخيل وسباقها أنه اقتنى وحده أربعة آلاف فرس، ولم يسبقه أحد من العرب إلى ذلك·
 ومن ميادين السباق التي خلَّدها التاريخ، ميدان الرصافة في عصر الأمويين، وميدانا >الرقة< و>الشماسية< في عصر العباسيين، و>ميادين الحكم< بالأندلس، و>أحمد بن طولون< و>بيبرس< في مصر·
 ومن أشهر ألعاب الفروسية لعبة الكرة والصولجان أو الجوكان، وكانوا يتقاذفون فيها كرة خفيفة بعصا عقفاء، تبلغ الواحدة منها نحو أربعة من الأذرع طولاً، وهم على صهوات الخيل، ويروى أن >هارون الرشيد< كان أول من عشق تلك اللعبة من الخلفاء، ولم يكن الخليفة >المعتصم< أقل منه إقبالاً عليها، ولم تلبث أن أصبحت اللعبة المفضلة عند القادة والأمراء، وكانت تلك اللعبة معروفة عند العرب قبل الإسلام، ولكن في أضيق نطاق، وكان من النابغين فيها الشاعر العربي >عدي بن زيد<، وقد انتقلت تلك اللعبة في العصور الوسطى إلى البلاد الأوروبية عن طريق مصر، وصارت تسمى في مقاطعة >لانجدوك< Languedoc في فرنسا La chicane أي >الجوكان< ولم تلبث أن تطورت نحو لعبة >البولو< الحالية·

 أثر الفروسية العربية في الشعوب الأوروبية
 كانت للفروسية العربية آداب نبيلة، تجمع بين النخوة والشرف والرحمة والتقوى والإقدام، وقد خلب الفرسان العرب بآدابهم هذه ألباب الشعوب الأوروبية، التي اتصلت بهم في القرون الوسطى، سواء عن طريق الحروب الصليبية في الشرق، أم عن طريق صقلية والأندلس، فقد أكد الباحثون الغربيون خلال دراساتهم وأبحاثهم أن أساس وأصل الفروسية عند الغربيين كان صدى للفروسية العربية، قال العلامة >بيكلسون<: >من الممكن تتبع فروسية العصور الوسطى وإرجاعها إلى بلاد العرب الجاهلية لأن شهامة الفرسان ومغامراتهم وإنقاذ العذارى من السبي والمساعدة التي كانت تقدم في كل مكان للنساء المحتاجات إلى مساعدة، كل هذه صفات عربية، وقد أطلق عليها في أوروبا كلمة نبل أو بطولة Chivalry والصلة وثيقة بين هذه الأعمال المجيدة وبين الفارس، ذلك البطل النبيل الشريف Chivalrous، لذلك اقترن الشعر بالفروسية في أوروبا كما اقترن عند العرب، بل أصبح شرطاً من شروطها وصار لزاماً على الفرسان أن يقرضوه كباراً أو صغاراً<·
 وقد تحدث الكاتب الفرنسي >غوستاف لوبون< في كتابه >حضارة العرب< عن قواعد الفروسية عندهم فقال: >للفروسية العربية شروطها، كما للفروسية الأوروبية التي ظهرت بعدها، فلم يكن المرء يعد فارساً إلا إذا تحلى بصفات عشر: الصلاح والكرامة، ورقة الشمايل، والعزيمة الشعرية، والفصاحة، والقوة والمهارة في ركوب الخيل، والمقدرة على استعمال السيف والرمح والنشاب·
 وكان عرب إسبانيا بالإضافة إلى تسامحهم العظيم، يتصفون بالفروسية المثالية، فيرحمون الضعفاء، ويرفقون بالمغلوبين، ويقفون عند شروطهم، وما إلى ذلك من الآداب التي اقتبستها الأمم النصرانية في أوروبا عنهم<·
 وذكر >رنول< في كتابه >تاريخ الجيش الفرنسي< أن الأوروبيين أخذوا عن العرب فكرة الفرسان الملثمين كما أخذوا عنهم فكرة الفرسان المجردين من الدروع والأسلحة الثقيلة· وينسب >سيديو< إلى العرب ابتكار قصص الفروسية التي انتشرت من بعدهم في إسبانيا، وما كان يتبع ترديدها من رقص وغناء·

ملوك أوروبا يستخدمون الفرسان العرب
 وقد بلغ من إعجاب ملوك أوروبا وأمرائها بالفرسان العرب، أن تهافتوا على استخدامهم وتعزيز جيوشهم بهم، فاشترك أولئك الفرسان في المعارك التي دارت بين دولهم وإماراتهم، وعندما استخدم أهالي >نابلي< جماعة من أولئك الفرسان في قتالهم مع دوقات >بنيفيان<، سعى أولئك الدوقات إلى استخدام فرسان من العرب أيضاً في جيشهم، وعندما أراد الأمبراطوران اليونانيان >باسيل< و>قسطنطين< استعادة نفوذهما في إيطاليا، استخدما في جيشهما عدداً من الفرسان العرب، فحاربوا تحت لوائهما الأمبراطور الألماني >أتون الأول< وخلفه، وحققوا نصراً ساحقاً في موقعة >بازنتليو< التي أعادت حكم جنوب إيطاليا إلى اليونانيين، وذكر المؤرخ >موراتوري< أن أولئك الفرسان هم الذين كسبوا تلك المعركة حقاً، وأنهم كانوا سادة ساحة القتال المتحكمين فيها طوال المعركة·
 وقاتل الفرسان العرب الفرنسيين في صفوف >الأرجوانيين<، في أواخر القرن الثالث عشر، وأوائل القرن الرابع عشر، فأبلوا أحسن البلاء، وحدث أن أرسل الفرنسيون أحدهم، فأرسلوه إلى قائدهم، كإحدى الأعاجيب، فما أن مثل بين يديه، حتى طلب من القائد بكل شجاعة أن يتيح له وهو مترجل، ولا يحمل غير سيفه، مبارزة أكفأ فرسانه، وهو راكب مزوَّد بكل أسلحته، وممتط صهوة جواده، فقبل القائد، وأخرج إليه أحد أبطاله، فلم يلبث أن صرعه بعد قليل، رغم تفاوت ظروفهما، ولما علم ملك >الأرجوانيين< بتلك الحادثة، رضي أن يفرج عن كل عشرة من أسراه الفرنسيين، لقاء كل أسير واحد من فرسان العرب·

دراسات عن الخيل والفروسية
 وتضم المكتبة العربية مؤلفات لا تُحصى حول فصائل الخيل، وآداب الفروسية، وأخبار الفرسان، ومن تلك المؤلفات >كتاب الخيل< للأصمعي، وكان من أعلم الناس بها، وبمعلومات العرب عنها·
 وقد ألَّف >ابن الأعرابي< كتاباً في >أسماء خيل العرب وفرسانها<، وألَّف >ابن الكلبي< كتاباً في >أنساب الخيل في الجاهلية والإسلام وأخبارها<، وجمع >الحافظ شرف الدين الدمياطي< في كتابه >قطر السيل في فضل الخيل<، كثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدعو إلى ارتباط الخيل، وتوصي بها خيراً· وأطنب >النويري< في كتابه >نهاية الأرب<، و>الدينوري< في كتابه >عيون الأخبار<، و>الأصفهاني< في كتابه >محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء< وغيرهم، الحديث عن فضل الخيل وصفاتها وعيوبها· ومن أشهر ما كتب في فنون الفروسية كتاب >آلات الجهاد وأدوات الصافنات الجياد< لـ>سليمان بن بنين النحوي المعري<، وكتاب >الفرسان وشعار الشجعان< لـ>ابن هذيل الأندلسي<، وقد كُتبت في مثل هذا الفن عشرات من المؤلفات·





















المراجع
 1 ـ د·إبراهيم محمد الفحام: الخيل والفروسية عند العرب·
 2 ـ د·محمد الغباشي ربيع: الخيول العربية·
 3 ـ محمد كامل علوي: الرياضة البدنية عند العرب·
 4 ـ ابن قيم الجوزية: الفروسية· 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق